مع عودة عصر التقلبات.. كيف تستثمر في 2019؟

جذبت المكاسب القوية بل والقياسية التي شهدها 2017 في عدد من الأصول فئات ضخمة من المستثمرين داخل الأسواق المالية العالمية في العام التالي، لكنه كان مخيباً لآمال الكثيرين مع استعداده ليكون الأسوأ في تحقيق الأرباح منذ عام 1972.

ويلوح في آفاق الاقتصاد العالمي خلال الوقت الراهن مجموعة من المخاطر المتزايدة مثل تصاعد الحرب التجارية إلى جانب تباطؤ محتمل في نمو الناتج المحلي الإجمالي للعالم فضلاً عن سياسات البنوك المركزية التي تميل للتشديد النقدي.

ومن المرجح أن تلقي هذه المخاطرة بظلالها على أداء الأصول بأنواعها كافة سواء الآمنة أو الخطرة أو حتى ذات الدخل الثابت، ليكون السؤال الأكثر إلحاحاً ويشغل أنواع المستثمرين كافة هو كيف نستثمر في عام 2019؟

محللون وخبراء وجهات بحثية وغيرهم من ذوي الصلة بالأسواق المالية حول العالم أعطوا ملامح مبكرة للوضع في العام المقبل مع ترشيح البعض لأصول الدول الناشئة وسط تحذيرات تطالب بالابتعاد عن الأسهم والسندات وبخاصة تلك التابعة للسوق الأمريكي.

لكن كل ذلك لم يحول دون تكهنات تشير إلى أن العوائد المحتملة في العام القادم ستظل منخفضة ما يعني أن 2019 سيكون عاماً استثمارياً صعباً بالنسبة للأسواق الأسهم والسندات وسط توصيات بحيازة أكبر للكاش.

وتتضمن تكهنات بنك مورجان ستانلي رفع توصية أسهم الاقتصادات الناشئة بالعام المقبل في المحفظة الاستثمارية من نقص الوزن إلى زيادة الوزن في مقابل تقليص التوصية للأسهم الأمريكية إلى خفض الوزن.

ويرجع المصرف الاستثماري هذه التوصية إلى احتمالات النمو الاقتصادي المستقر في الدول الناشئة (نمو نسبته 4.7%) خلال 2019 مقارنة مع توقعات تشير لتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة (ارتفاع نسبته 2.3%).

لكن مع ذلك يتخوف "جوكول لارويا" المحلل في مورجان ستانلي من أن تتضرر الأسواق الناشئة من ضعف الاقتصاد الأمريكي مشيراً إلى أن تسجيل أسهم الاقتصادات النامية تفوقاً في الأداء في ظل هذه الظروف غير المتفائلة بشأن أكبر اقتصاد حول العالم أمراً لم يحدث بالفعل كثيراً قبل ذلك.

ويفسر "لارويا" رؤيته بأن الكثير من الأموال المستخدمة في شراء أصول الأسواق الناشئة تأتي في الأساس من الولايات المتحدة ومن ثم فإن تباطؤ الاقتصاد قد يترجم لتراجع بتلك الأسواق.

ويفضل البنك كذلك بشكل عام أسهم القيمة (والتي تتداول عند مستويات أقل من التي يعتقد أنها يجب أن تكون عندها) عن أسهم النمو (والتي لديها مزيد من الفرص للارتفاع).

وعلى صعيد السندات، أوصى مورجان ستانلي بخفض الوزن بالنسبة للائتمان مع زيادته للسيولة النقدية (الكاش) مع منح السندات الحكومية نظرة محايدة.

وفي رؤية أخرى، طالب جولدمان ساكس المستثمرين الاهتمام بزيادة حجم السيولة (الكاش) في المحفظة الاستثمارية على حساب الأسهم معتبراً أن سوق الأصول الخطرة قد يكون في مأزق كبير بسبب التعريفات الجمركية ومخاوف الركود الاقتصادي، وهو الاتجاه الذي يتماشى مع بنك "مورجان ستانلي.

واعتبر البنك أن الكاش سيكون بمثابة فئة أصول تنافسية للأسهم في عام 2019 للمرة الأولى في عدة سنوات.

وفي الوقت نفسه، يراهن بنك جولدمان ساكس على الأسهم، حيث يتوقع أن تحقق أسواق الأسهم في الاقتصاديات الناشئة مكاسب بنحو 12% من حيث القيمة الدولارية خلال عام 2019 مع الإشارة إلى أنه من المحتمل أن  تكون العوائد أفضل في الأشهر الـ6 القادمة.

وبالنسبة للسلع، ذكر جولدمان ساكس أن الأداء الهابط للسلع الأساسية في الوقت الراهن أمر غير مستدام متوقعاً أن تشهد ارتفاعاً بنحو 17% بالأشهر المقبلة، مطالباً المستثمرين باتخاذ مراكز شرائية في النفط والذهب.

ويرى البنك الأمريكي أن تباطؤ النمو الاقتصادي للولايات المتحدة كما هو متوقع في العام المقبل أمراً إيجابياً بالنسبة للذهب الذي سوف يستفيد حينها من ارتفاع الطلب على أصول الملاذ الآمن.

ويسير بنك جي.بي.مورجان على نفس طريق تعزيز الوضع بالنسبة للسيولة النقدية (الكاش)، حيث يرى أنه المكان الذي سيقدم عائداً أفضل من الأسهم عند مقارنته بالمخاطر مع رفع التوصية بزيادة الوزن خلال العام القادم.

لكن مع ذلك تشير مذكرة بحثية لفريق من المحللين في جي.بي.مورجان إلى أن الأسهم الأمريكية تستعد لمكاسب بنحو 17% بحلول نهاية العام المقبل كما قدم البنك 3 أسباب لشراء الأسهم الآسيوية في 2019.

وبالنسبة لرؤية بنك.أوف.أمريكا بشأن النظرة المستقبلية للأسواق العالمية والاقتصاد في العام المقبل، فإنه من المرجح أن تستمر السوق الهابط مع توقف أسعار الأصول عن تسجيل مزيد من الهبوط في النصف الأول من 2019 وذلك مع وصول معدلات الفائدة للقمة.

ويتوقع الفريق البحثي بالبنك مكاسب متواضعة في الأسهم والائتمان وذلك على خلفية تباطؤ النمو الاقتصادي لكنه لا يزال يتمتع بصحة جيدة.

وبحسب التقرير، فإنه من المرجح أن يصل مؤشر ستاندرد آند بورز لقمة عند مستوى أعلى بقليل من 3000 نقطة قبل أن يستقر عند هدف نهاية العام 2900 نقطة مع الإشارة إلى أن السيولة النقدية ستصبح أكثر جاذبية عن فئات الأصول البديلة مثل الأسهم والسندات خلال عام 2019.

كما أكد أن أصول الأسواق الناشئة باتت رخيصة بعد الموجة البيعية التي تعرضت لها في العام الحالي ما يجعلها أكثر ربحاً وخاصةً مع ضعف الدولار لكنها تظل عرضة للآثار غير المباشرة للتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

وعلى صعيد آخر، يرى البنك الأمريكي أن معدن الذهب سوف يرتفع إلى 1296 دولاراً للأوقية وربما يصل لـ1400 دولار للأوقية بفضل العجز الأمريكي المزدوج والتحفيز الصيني.

أما الرؤية المستقبلية لأكبر شركة لإدارة الأصول حول العالم "بلاك روك"، فتشير إلى أنها تفضل الاستثمار في الأسهم عن السندات، مع الإشارة إلى أن سوق الأسهم الأمريكي منطقة مفضلة وأن الأسواق الناشئة تقدم أكبر الفرص.

وبحسب تقرير التوقعات المستقبلية لعام 2019، فقامت "بلاك روك" بزيادة الوزن للأسهم الأمريكية وأسهم الأسواق الناشئة والأسواق الآسيوية باستثناء اليابان في حين خفضت الوزن في البورصات الأوروبية مع إبقاء رؤية محايدة بالنسبة للبورصة اليابانية.

وفي سوق السندات، خفضت الوزن بالنسبة للديون السيادية الأوروبية مع إبقاء كافة الأسواق الأخرى داخل منطقة محايدة، مع تفضيل الأصول ذات العائد الثابت التي يستحق موعد استردادها في المدى القصير والمتوسط.

وبحسب مسح أجرته شركة الاستشارات "إن.إيه.بي.سي" والتي تلبي احتياجات أكثر من 100 مؤسسة بأصول إجمالية تتجاوز 60 مليار دولار، فإن الأسهم الخاصة (وهي الشركات غير المقيدة في أسواق المال) قد تكون الاستثمار الأفضل في فترة الإثنى عشرة إلى الأربعة وعشرين شهراً المقبلة مقارنة بالاستثمارات الأخرى وسط توقعات بزيادة التعرض لهذه الفئة الاستثمارية.

لكن مع ذلك يرى نحو 60% من المستجيبين للمسح والبالغ عددهم 45 شخصاً، أن الرسوم وتكاليف الاستثمار تشكل مصدراً للقلق في حين يشير 40% إلى أن تلك الرسوم تمثل مشكلة أكبر بالنظر إلى توقعات عوائد أكثر تسطحاً.

وفي الوقت نفسه، يعتقد نحو 58% أن الأسهم الأمريكية ستتراوح عوائدها بين مسطحة إلى سلبية في العام المقبل.

وعلى النقيض، يتوقع محلل في مجموعة "يو.بي.إس" أن تسجل الأسهم الأمريكية مكاسب بأكثر من 20% بحلول نهاية العام المقبل مقارنة مع المستويات الحالية ليصل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى مستوى 3200 نقطة.

ويعلل كبير استراتيجي الأسهم بالبنك "كيث باركر" رؤيته بتكهنات تقليص وتيرة زيادة معدل الفائدةالمخططة مسبقاً وهو ما سوف ينعكس بشكل إيجابي على سوق الأسهم في العام المقبل، على حد قوله.

ويرى مستثمر أمريكي يدعى "تري ريك" أنه من المرجح أن تتحول الأوضاع في سوق الذهب خلال العام المقبل بدلاً من خسائر هذا العام بفعل تصاعد الشكوك بشأن مسار التشديد النقدي للفيدرالي في 2019.